أخبرت إدارة ترامب الكونغرس مؤخرًا بأنها تخطط لبيع أسلحة أمريكية بما يقرب من 23 مليار دولار إلى الإمارات العربية المتحدة، والتي تشمل طائرات مقاتلة متطورة من طراز (F-35) وطائرات بدون طيار مسلحة من طراز (MQ-9) وقنابل وصواريخ بقيمة 10 مليارات دولار.
يمكن للمرء مناقشة هذه الصفقة من وجهات نظر مختلفة، مثل سبب استعداد الولايات المتحدة لبيع مثل هذه الأسلحة المتطورة إلى حكومة تقتل المدنيين في اليمن، وتقوم بتمويل المرتزقة في ليبيا، وسجن أكثر من 100 من مواطنيها لمجرد دعوتهم إلى الإصلاح؟
وبحسب منظمة هيومان رايتس ووتش: "سكان الإمارات الذين تحدثوا عن قضايا حقوق الإنسان معرضون لخطر الاعتقال التعسفي والسجن والتعذيب. كثير منهم يقضون فترات سجن طويلة أو غادروا البلاد تحت الضغط…" أو لماذا تتجاهل الولايات المتحدة دعوة 29 منظمة للحد من انتشار الأسلحة ومنظمات حقوق الإنسان التي وقعت بيانًا يعارض هذه الصفقة؟
بدلًا من ذلك، سأركز هنا على منظور دولة الإمارات العربية المتحدة، وعلى وجه التحديد، أريد الإجابة على ثلاثة أسئلة. أولًا، هل قرار شراء هذه الأسلحة صادر عن مؤسسات تمثل الإرادة الجماعية لمواطني الإمارات؟ ثانيًا، هل هذا القرار يعزز أمن الإمارات ويعزز تنميتها؟ ثالثًا، إذا كان القرار لا يخدم مصلحة مواطني الإمارات، فما المنطق من اتخاذه؟
في الإجابة على السؤال الأول أود أن أذكر القارئ أنه في دول الخليج (السعودية والإمارات والبحرين وقطر والكويت وعمان)، فإن القرارات الاستراتيجية مثل الإنفاق العسكري والنفقات الرئيسية الأخرى لا يتم اتخاذها من قبل المؤسسات الشفافة التي تمثل المجتمع بأسره، وإنما من قبل الحاكم وحفنة من حاشيته خلف أبواب مغلقة، وفي معظم الحالات، يكون الغرض من الصفقات هو خدمة مصالحهم وتعزيز قبضتهم على السلطة. في الإمارات العربية المتحدة، اتُخذت معظم القرارات الرئيسية منذ وفاة مؤسس الإمارات الشيخ زايد في عام 2004 من قبل ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، حيث تجاوز شخصيات رفيعة على مستوى أعلى في الاتحاد لمجرد أنه يتحكم بمحفظة الدولة.
أما بالنسبة للسؤال الثاني، فأنا أرى بأن قرار تبديد مليارات الدولارات على السلاح لا يوفر الأمن ولا الازدهار للإمارات أو المنطقة ككل. في الواقع، يشهد تاريخ الإنفاق العسكري في المنطقة منذ الطفرة النفطية في أوائل السبعينيات على هذه الحقيقة، وذلك لأن الأمن الحقيقي والدائم يبدأ من خلال وضع الثقة في شعوب المنطقة ومعاملتهم كشركاء بدلاً من أتباع من خلال إنشاء برلمانات حقيقية تجعل كل واحدة من هذه الدول أقوى من الداخل.
بمجرد أن تنال كل حكومة ثقة شعبها، يمكنها بعد ذلك المضي قدمًا في تعزيز علاقاتها مع الدول الأخرى من خلال تنفيذ الاتفاقية الاقتصادية الموحدة الموقعة في عام 1981 وتفعيل قوة درع الجزيرة التي تأسست عام 1984.
هذه الخطوات السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها، إذا تم تنفيذها بعناية وبنيّة حسنة، ستكون بمثابة بناء ثقة بين الحكومات والشعوب على حد سواء وستمكّن هذه الدول من تقليل إنفاقها العسكري الحالي وغير الفعال وتحويل المدخرات نحو مشاريع التنمية في منطقة الخليج، بما في ذلك اليمن. يمكن لهذه الخطوات أيضًا، إذا استُكملت بتحالفات أخرى على المستويين الإقليمي والدولي، أن تكون رادعًا قويًا لأي تهديد إيراني لهذه الدول ويمكن أن تؤدي على المدى الطويل إلى تفاهم أمني إقليمي من شأنه أن يخلق السلام في المنطقة.
وهذا يقودنا إلى السؤال الثالث: إذا كان الإنفاق العسكري بهذا الحجم لا يوفر الأمن والتقدم للمنطقة، فلماذا نستمر فيه؟ من وجهة نظري، هناك خمسة أسباب على الأقل تجعل محمد بن زايد يتصرف بمفرده وينفق أرقامًا فلكية على شراء الأسلحة. أولًا، إن المخاطر بالنسبة له ولأسرته من الإصلاحات الحقيقية في المنطقة كبيرة بسبب حجم الثروة التي يسيطرون عليها في أبوظبي، وهي نفس الثروة التي تجعل محمد بن زايد قادرًا وراغبًا في اللجوء إلى جميع أشكال الاضطهاد داخليًا وخارجيًا.
ثانيًا، يحتكر محمد بن زايد وإخوته الأشقاء شراء الأسلحة، وبالتالي فهم المستفيدون الرئيسيون من صفقات السلاح، والتي وفقًا لبعض الدراسات تدفع عمولات تتجاوز 15٪ من قيمة كل صفقة، وعادة ما يتم غسيل هذه العمولات عبر قنوات مختلفة في حسابات خاصة خارج الدولة.
ثالثًا، الادعاء بأن محمد بن زايد هو زعيم "الإسبرطة الصغيرة" في المنطقة التي تحارب الإرهاب يساعده على إسكات أي معارضة داخلية لنظامه القمعي، كما أنه يمتص أي دعوات للإصلاح من بقية العالم.
رابعاً: الصفقة حافز من قبل إدارة ترامب لمحمد بن زايد لتقديم دعم غير مشروط للسياسات الاستعمارية والعنصرية لإسرائيل دون اعتبار لحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة أو للقوانين الدولية، وهي سياسة لن تؤدي إلا إلى زيادة عدم الاستقرار في المنطقة، لأن القضية الفلسطينية لن تختفي لمجرد قرار متسرع وغير عادل من قبل الإدارة الأمريكية أو قرار من قبل محمد بن زايد.
أخيرًا، استثمر محمد بن زايد وفريقه موارد ضخمة لعمليات الضغط في الولايات المتحدة، وشراء الأسلحة جزء من حملة الضغط هذه. يدرك محمد بن زايد أنه عندما يتعلق الأمر بالترويج للديمقراطية في الشرق الأوسط، فإن الإدارات الأمريكية تتحدث دائمًا ولكنها لا تفعل شيئًا في هذا الجانب، فلماذا لا تشتري دعم واشنطن.
وبحسب كلمات لمحلّل للمنطقة يتخذ من واشنطن مقراً له: "إن الإمارات العربية المتحدة ودول أخرى تعرف كيف تغزو وتتسلل إلى الوكالات لدينا. نتركهم يسيئون إلى مصالحنا في حين أنهم يقومون بتعزيز مصالحهم." باختصار، محمد بن زايد هو مدفع سائب، وقد وضع يديه على كنز نفطي في غياب أي محاسبة. إنه يرى أي تغيير في الوضع الراهن على أنه تهديد وجودي لسلطته غير الشرعية وثروته غير المكتسبة.
على هذا النحو، يعتبر أي خلاف مع خصومه داخل الإمارات أو خارجها لعبة صفرية يجب ربحها بأي ثمن حتى بقتل الأبرياء وقمع الحريات وتدمير المدن والقرى. بصريح العبارة، محمد بن زايد مُعتل نفسيًا.
***
الصورة: صورة مأخوذة من مركبة عسكرية إماراتية في 8 أغسطس 2018، خلال رحلة في اليمن نظمها المجلس الوطني للإعلام الإماراتي، تُظهر جنودًا يمنيين موالين للحكومة اليمنية المدعومة من السعودية والإمارات على متن عربات نقل مسلحة عبر طريق جبلي شمال مدينة المكلا الجنوبية الشرقية عاصمة محافظة حضرموت. (تصوير كريم صاحب/وكالة الصحافة الفرنسية AFP) (يجب أن تكون عبارة حقوق الصورة كالتالي: كريم صاحب/ وكالة الصحافة الفرنسية AFP عبر غيتي إيماجز).